- يحظى قطاع صعوبات التعلّم في المملكة العربية السعودية باهتمام ورعاية كبيرين من قبل القيادة الرشيدة، وقد انعكس ذلك على تطوّر وازدهار هذا القطاع، سواء من حيث نموّ عدد البرامج المقدّمة، أو على مستوى إعداد الكوادر البشرية المؤهّلة، ففي فترة قياسية بلغ عدد البرامج في المدارس ما يصل إلى 1800 برنامج قبل عدة أعوام، وعلى الرغم من هذا الدعم فإن هنالك بعض التحديات التي حالت دون تحقيق برامج صعوبات التعلّم للنتائج المرجوّة، حيث لم تكن تلك البرامج تخدم سوى 20% من مدارس المملكة، بالإضافة إلى قيام وزارة التعليم في الآونة الأخيرة بتقليص عدد برامج صعوبات التعليم، وعلى الرغم من أن إغلاق برامج صعوبات التعلم يعدّ أمرا إيجابيا أكده الباحثون، حيث إن الدمج سوف يسمح للطالب بتلقي جميع الخدمات المساندة في الفصل العادي مع زملائه، إلا أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار بأن ذلك لن يسهم في التقدم المأمول دون تفعيل حقيقي لدور المعلم المساعد في كل مدرسة، وخلق بيئة مدرسية ومجتمعية حاضنة لذوي صعوبات التعلم وذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام، وكذلك توعية معلمي التعليم العام وقادة المدارس الذين هم عناصر أساسية لنجاح برامج الدمج في المدارس العامة بطرق التعرف على ذوي صعوبات التعلم، وسبل تقديم الدعم المناسب لهم، والمتتبّع لوضع مدارس المملكة يلاحظ أنها ما زالت تفتقد كثيرا من مستلزمات نجاح برامج دمج طلاب صعوبات التعلّم، فلا يمكن اليوم الاستناد على تشخيص معتمد من قبل الوزارة يجزم بأهلية الطالب وأحقيته بتلقي الخدمات، إلا أن هناك كثيرا من الاجتهادات الفردية من قبل المعلمين والمختصين التي لا تحتاج سوى إلى إدارة وتنظيم من الجهات المختصة.في جانب آخر، تؤكد دراسة نشرت من المركز الوطني لصعوبات التعلم (NCLD) في الولايات المتحدة أن الطلاب ذوي صعوبات التعلم معرضون للانسحاب من المدارس أكثر من الطلاب العاديين بثلاثة أضعاف. وذلك يوضح أن هؤلاء الأفراد سوف يترعرعون بصعوباتهم في مجتمع يتطلب القدرة العالية على إتقان عدة مهارات كالقراءة والكتابة والحساب، فقد أظهرت دراسة نشرت من معهد روهر في كندا أن كل شخص لديه نوع من أنواع صعوبات التعلم يمكن أن يكلّف المجتمع بشكل مباشر أو غير مباشر ما يقارب مليوني دولار من الولادة حتى مرحلة التقاعد، وقد تكون هذه التكاليف على أشكال مختلفة كالخدمات التعليمية والطبية والخدمات المساندة أو التقنيات المساعدة، وذلك إلى جانب ما يكلفه الشخص على نفسه وأسرته من الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية، فالأشخاص الذين لديهم صعوبة في التعلم غالبا ما يواجهون كثيرا من العثرات التي تحول دون استقلاليتهم وقدرتهم على الاعتماد على أنفسهم إذا لم يتلقوا الدعم والخدمات المناسبة. كما تتضمن تلك التكاليف أيضا خدمات العدالة الجنائية، حيث أشارت نفس الدراسة إلى أن من بين كل أربعة أشخاص في سجون كندا يوجد شخص لديه صعوبة في التعلم. كما أشار تقرير نشر من قبل الكلية الملكية للأطباء النفسيين في المملكة المتحدة إلى تصريح سجين لديه صعوبات تعلم قائلا: «عندما لا أستطيع القراءة فإنني أعبّر بذلك عن طريق الغضب». وفي مقالة أخرى كتب أحد الذين عانوا من صعوبات التعلّم إلى صحيفة «ذَا جاردين»: «لقد ذهبت إلى مدرسة خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، لم أجد مساعدة فعالة، ولقد كانت الدراسة صعبة، لم أستطع الاندماج مع المجتمع، لم أتمكن من الحصول على وظيفة، وقد كانت الجريمة خيارًا أسهل من عدم فهمي لشيء». فالتحديات التي غالبا يواجهها ذوو صعوبات التعلم سوف تؤثر على الدوافع والثقة واحترام الذات لديهم.
لا تقف الأمثلة عند ذلك، فقد عرف الممثل والناشط الأميركي أميري بركة باختبائه في أروقة المدرسة خوفا من اختبارات التهجئة، حيث كان يتعرض للإحراج والتنمر المستمر من قبل زملائه في الفصل، لقب بـ«غبي» و«أحمق» حتى قرر الانسحاب من المدرسة والتوجه إلى عصابات الشوارع، حيث توجد الفرص والإثارة، شق أميري طريقه نحو السجن، وعندما كان يبلغ من العمر 23 عاما شُخّص بأن مستوى قراءته لا يتجاوز مستوى قراءة طفل في الصف الثالث، وفي وقت لاحق من وجوده بالسجن شخّص بأن لديه صعوبات تعلم، وبتوفير الخدمات والدعم المناسب حصل أميري خلال أربع سنوات قضاها في السجن على درجة الـGED التي تعادل الثانوية العامة في الولايات المتحدة. ومنذ إطلاق سراحه قام أميري بإخراج أربعة أفلام بشكل مستقل، وأسهم في العديد من المشاركات الأخرى في مجال صناعة الأفلام، وهذا مثال يوضح أن الدعم حتماً سيؤدي إلى ضمان جودة حياة أفضل ودخل أعلى، مما يسهم بلا شك في رفع معدل دخل الفرد وإجمالي الناتج المحلي والمشاركة في النهوض باقتصاد الوطن. لذا الدعم والاهتمام بهذه الفئة التي تمثل شريحة كبيرة سوف يساعد على بناء مجتمع تنخفض فيه معدلات الجريمة والبطالة، ويتمكّن فيه مئات الألوف من الطلاب على مر السنين من مشاركة المجتمع رحلة تطوّره وازدهاره، على غرار ذلك، يؤكد المختصون أن نسبة تواجد صعوبات التعلم في أي مجتمع تتراوح بين 5% و10%، وربما تصل حتى 20% في دول العالم الثالث.
وعند النظر إلى تلك الأرقام ومقارنتها بعدد الطلاب الذكور الملتحقين بالصف الأول الابتدائي في مدارس المملكة في عام 1438 وهم 188 ألف طالب، وبعد اعتبار النسبة الأقل التي هي 5% نجد على أقل تقدير وجود ما يقارب 10 آلاف طالب كل عام لديهم نوع من الصعوبة في التعلم لم يتم التعرف عليهم أو تقديم الدعم لهم، لذا إن الاهتمام بطلاب صعوبات التعلم هو عامل قوي كفيل بأن يؤثر على عملية النهوض بالاقتصاد الوطني وسير رؤية المملكة 2030، فلو نظرنا إلى الآثار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المترتبة على صرف الانتباه عن الطلاب ذوي صعوبات التعلم لما توانينا عن ضخ كل ما بوسعنا لتحقيق كل سبل الدعم لهم. فكم من موهوب وعبقري سلبته وكبلته صعوبته في القراءة أو الكتابة من تحقيق طموحه وأهدافه. فغالبا ما كانت الصعوبات والقدرة على مواجهتها سمة من سمات العباقرة والعلماء، فتوماس أديسون اشتهر بما لديه من صعوبات في القراءة والكتابة، مما دفع والدته إلى تعليمه في المنزل، لكنّه لم يقف عند ذلك وتمكن من تسجيل 1093 براءة اختراع. لذلك فإن توفير الخدمات والتقنيات المساعدة التي تناسب ذوي صعوبات التعلم واحتياجاتهم هي ضرورة ليكونوا من أصحاب معدل الدخل المجتمعي الطبيعي وليس أقل من المعدل العام، وأن يصبحوا أشخاصا ذوي تأثير عالٍ وإنتاجية تفيد المجتمع والوطن بالدفع بعجلة التنمية وفق رؤية المملكة العربية السعودية 2030 .